ولادة طفل معافى أمل كل والدين، ولتحقيقه لابد من تحديد الوضع الصحي للجنين، الأمر الذي اعتبر بمثابة حلم في الماضي، أما الآن ففي ظل التقدم العلمى الهائل أصبح ممكنا، بل يمكن أيضا علاج أمراض الأجنة وهي داخل الرحم، وكما يمكن إنقاذ الجنين والقيام بذلك في الشهور الأولى من الحمل. [size=16]يبدأ الكشف بالنظر في التاريخ المرضى للأم، والذي يشمل سن الأم والأمراض التي قد تكون مصابة بها، وإذا كانت قد أنجبت طفلا مريضا من قبل وكذلك الأمراض الوراثية في العائلة وحالات زواج الأقارب وبخاصة الدرجة الأولى، كذلك الحالات المرضية بالتكسوبلازما وهي التي تنتج عن وجود القطط والكلاب أو الحيوانات الأليفة بالمنزل وعلاوة على أكلات "التيك أواي". هذا ما تؤكده الدكتورة "إيناس عبد الحميد" أستاذة أمراض النساء والتوليد بقصر العيني بالقاهرة.
تطورات عالم التشخيص
ويضيف الدكتور "أسامة عزمي"، أستاذ أمراض النساء والتوليد بالمركز القومي للبحوث وعضو الجمعية الأوروبية لأمراض النساء والتوليد والعقم، أن تشخيص أمراض الأجنة يكون أيضا من خلال متابعة الحمل نفسه، والذي قد يكون بأساليب تقليدية مثل قياس (طول الرحم) والذي يكشف عن التغييرات الخاصة بحجم الرحم ونموه الطبيعى أو من خلال أساليب أكثر تقدما مثل جهاز الموجات فوق الصوتية (السونار) والذي يكشف لنا عن عدة أمراض، مثل "عدم وجود غطاء لرأس الجنين" و"تشوهات العمود الفقري" و"عيوب القلب"، أي أنه يكشف عن العيوب الكبيرة.
وهناك أجهزة أخرى أكثر دقة يمكننا اللجوء إليها مثل: السونار ثلاثي الأبعاد "الدوبلر" والذي يعطي صورا مجسمة للجنين، وفضلا عن التحليل الثلاثي، والذي يظهر مكامن الخطورة من خلال قياس نسبة الهرمونات لدى المرأة الحامل، وفي بعض الأحيان يتم أخذ عينة من السائل الأمينوسي الذي يحيط بالجنين ويتم فحصها بعد ذلك.. كما تظهر نتائج هذا التحليل بعد حوالي إسبوعين أو ثلاثة من تاريخ أخذ العينة.
ولكن من المشكلات المتعلقة بهذه الأجهزة، أنها لا تعطينا النتائج الكاملة إلا بعد الشهر الرابع من الحمل، وبالتالي يمكن الاستعانة بوسائل أخرى حتى تساعدنا في تشخيص الأمراض في الأشهر المبكرة للحمل.
فعلى سبيل المثال فعند أخذ عينة من مشيمة الجنين وبواسطة التحليل الرباعي و"التحليل الاندماجي"، والذي يشمل (التحليل الرباعي + السونار)، ولكن إذا حدث وجاءت السيدة في وقت متأخر من الحمل كالشهر السادس مثلا، فيتم التشخيص من خلال أخذ عينة من الحبل السري والتي تستغرق يومين أو ثلاثة أيام حتى تظهر النتيجة، وذلك بدلا من تحليل السائل الأمينوسي الذي يستغرق وقتا أطول بالطبع.
وتضيف الدكتورة "إيناس" أننا يمكن تسمية الثلاثة أشهر الأولى من الحمل بـ"المرحلة الأولى للتوتر"، حيث يعتبر الرحم مثل المصفاة، أى أنه يقوم بالمحافظة على ما هو سليم ويلفظ ما هو غير سليم، وهذا رحمة من الله سبحانه وتعالى، فـ90% من الأجنة المجهضة "السقط" عندما يتم فحصها بعد النزول نكتشف أن بها تشوهات أو عيوب كروموزومية أو عيوب تركيبية، والتي قد تكون راجعة للتاريخ المرضي للأم السالف ذكره.
ويلقي الدكتور "وليد الشربيني"، استشاري أمراض النساء والتوليد بقصر العيني، الضوء على بعض أمراض الأجنة، والتي يمكن علاجها أثناء الحمل، مثل "ورم الغدة الكظرية"، والذي يتم علاجه بحقن الكورتيزون فى السائل الأمينوسي داخل الرحم، وكذلك في حالة عدم انتظام ضربات قلب الجنين، والذي قد يؤدي إلى ميلاد طفل مريض بفشل في عضلة القلب، فيتم إعطاء أدوية للأم أثناء الحمل.. ويضيف أنه في حالات التوأم السيامي الملتصق والمشترك في مشيمة واحدة، وفي تلك الحالة فقد يتعرضان للموت نتيجة إصابة أحدهما بأنيميا حادة لانتقال الدم منه إلى توأمه، والذي يموت بفشل في القلب نتيجة زيادة الدم في الجسم فتعالج هذه الحالة باستخدام الليزر ويموت أحدهما، وكذلك في حالة كبر حجم رأس الجنين فيتم وضع أنبوبة لشفط الماء من رأسه، وحالة انسداد الصمام الخلفي لفتحة مجرى البول والتي تؤدي إلى تجمع البول في المثانة والكلى والحالب وقد تتسبب في الفشل الكلوي وعلاج هذه الحالة يتم عن طريق إدخال جهاز مثل المنظار لينقل البول من المثانة للسائل الأمينوسي.
عمليات جراحية للجنين
ويستكمل الدكتور "أسامة عزمي" حديثه ويقول إن هناك حالات معينة لعلاج الأجنة والتى قد تستدعى منا إجراء العمليات الجراحية، وذلك من خلال إخراج الجنين من رحم الأم وإجراء العملية له وإعادته مرة أخرى، ولكن هذة العمليات غير منتشرة فى مصر، وذلك بسبب عدم وجود الأماكن المجهزة لإجرائها ولارتفاع ثمنها أيضا.
كما أن هذا العلم مازال فى بداياته ومازالت نسبة إجراء هذه العمليات في الخارج ضئيلة جدا، ففى أمريكا تجرى من 10 إلى 12 حالة في السنة، وذلك لانخفاض نسبة نجاحها، فبين كل ثلاث حالات تنجح حالة واحدة فقط، وكما أننا نلاحظ أنها تنخفض كلما كانت العملية فى عضو أكثر حساسية مثل "القلب".
ولكنه يتوقع أن يتقدم هذا العلم وينتشر في السنوات القادمة، فهي مثل العمليات القيصرية، والتي كانت نسبة نجاحها في البداية منخفضة، أما الآن فأصبحت تجرى بأمان في المستشفيات.
وعن الآثار الجانبية لعمليات الأجنة داخل الرحم يقول الدكتور "أسامة" الذي أجرى هذه العمليات في الخارج، إنها تتمثل في حدوث انقباض للرحم بعد إخراج الجنين منه مما قد يتسسب في ولادة طفل ناقص النمو ((مبتسر))، وقد يكون لدى الجنين أكثر من مرض ويتم التغلب على أحدها ولكن الباقى يؤدي للوفاة، ولابد أن يجلس الطبيب مع الأم الحامل ويشرح لها خطورة هذه العملية.
وهناك بعض الأدوية مثل "الكورتيزون" والتي قد تستخدمها الأمهات لعلاج أمراض عديدة مثل "الغدة الدرقية"، والتي يمكن أن تؤدي إلى ولادة أطفال بشفاه أرنبية أو بعيب خلقي في الحلق، هذا يمكن تداركه مباشرة عقب الولادة، وللحد من هذه الآثار ننصح الأطباء بتحديد جرعات معينة من الدواء، وذلك حسب حالة كل أم وحسب وزن الجنين.
ومن ناحية أخرى هناك بعض الأمراض التى لا يمكننا علاجها أثناء فترة الحمل، ولكن الاكتشاف المبكر لها يساعدنا على تجهيز مكان الولادة حتى يتم تدارك هذه المشكلات بعد الولادة مباشرة وقبل تفاقمها، مثل وجود "ثقب في القلب"، أو في حالة وجود مشكلات في الرئة.
تشخيص أمراض الجنين
وتقدم وحدة الخدمات الطبية بالمركز القومي للبحوث النصح الطبي والوراثي المتكامل للسيدات الحوامل، وذلك من خلال فريق عمل يتكون من عشرين طبيبا في تخصصات مختلفة، كما تقدم بأسعار في متناول الأسر المتوسطة والفقيرة، وبالإضافة إلى وجود حجرة متخصصة في عمل الموجات فوق الصوتية والدراسات الإكلينيكية والدراسات البيوكيميائية والدراسات الخلوية والخلوية الجزيئية.
ويظل لدى البعض هواجس كثيرة تتعلق بإمكانية إجهاض الجنين المعاق، ولكن يؤكد الدكتور طه أبو كريشة، نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق، أن إجهاض الطفل المعاق حرام شرعا، فهو نفس بشرية، وعلى الأم التسليم لقضاء الله عز وجل لأن الرضا أصل من أصول الإيمان ويترتب عليه ثواب عظيم، "... وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" [البقرة : 155 - 157].
وكذلك فعلى الأم أن تسلم بأن هذا الطفل المعاق إنما هو خلق من خلق الله تعالى ولا ذنب له في الصورة التي جاء عليها، فمن كمال الإيمان أن تستقبل ضيف الله تعالى استقبالا طيبا على النحو الذى يرضي رب العالمين، فطفلها هذا يستحق الرحمة، وإذا رحمته استحقت رحمة الله، فهو فلذة كبدها، وهو ابتلاء واختبار، وسوف يكون مصدر بركة كبيرة في البيت ما دامت قد رضيت بقضاء الله عن طيب نفس.
وربما يظل حديث المتخصصين كلاما نظريا، وقد لا تقتنع الأم بأنها ستخرج بطفلها المعاق إلى الحياة، لذلك كان لابد من لقاء الأمهات اللاتي رزقن بأطفال معاقين في وحدة الخدمات الطبية بالمركز القومى للبحوث، ولكن اكتشفنا أنهن أكثر تفاؤلا وأكثر حبا لأطفالهن وأكثر ثقة في أنهم سيحققون الكثير من الأشياء في المستقبل.
وتقول"حنان محمد" والدة الطفلة "هناء" المريضة بداء الطفل المنغولي : هذا قدر من عند الله، بل هى هدية من الله، وصحيح أنه لم يكن الموضوع سهلا علينا فى بادئ الأمر، ولكننا تعاملنا مع الواقع وحاولت أن أثبت قدراتى من خلالها، كما صنعت أدوات بسيطة لتعليم طفلتي بنفسي وسأحاول غرس الثقة في نفسها أكثر وأكثر.
وترى "علياء محمد" والدة "غفران" أن الأدوات التي نصنعها لتعليم أطفالنا تحوز إعجاب أولياء أمور الأطفال
الجمعة يوليو 11, 2008 6:57 am
